البحث عن التعليم فى ملفات السياسة...!!
بقلم : على جمال الدين ناصف
كثر فى الآونة الأخيرة الحديث عن التعليم و ما أصابه من تردى من وجهات النظر المحلية و العالمية فى بلدنا الحبيب ، الأمر الذى جعلنا نسأل عن الأسباب التى يمكن أن يعزى إليها هذا التردى على الرغم مما ينفق فى سبيل التطوير ، و جودة التعليم ، و أن التعليم يوضع على أولويات العمل فى الدولة لما يمثلة كأمن قومى لأى دولة ، و بالتالى ما نراه من سباق فى مجال التعليم ما هو إلا انعكاس لهذا ، فلم يعد ما قال به افلاطون عن تقسيم التعليم بين الحكام و المحكومين والاحرار والعبيد مجالا للقبول به فى عالم اليوم ، لأن التعليم يغدو كمفهوم بأنه عملية تشكيل للشخصية الانسانية لأفراد المجتمع و إكسابهم الصفات الاجتماعية و النفسية التى تجعلهم مواطنين صالحين فى حدود الاطار الايدولوجى للدولة ، و بطبيعة الحال أن تشكيل الصفات النفسية و الاجتماعية و التى يضمها الاطار الديموقراطى ، يقع فى صلب و إهتمامات و أهداف العملية التعليمية ، لذا نرى أن التعليم أصبح يمارس دوراًَ رئيسيا فى إرساء دعائم الديموقراطية و إنضاج ثمارها الاجتماعيه عبر توعية الشعب بما له و ما عليه من حقوق و إستحقاقات سياسية و غير سياسية ، من هنا نرى الضغوط الاجتماعية لتوفير التعليم تتزايد كلما ارتفع وعى الشعب و زاد أدراكه لأهميته ، فقد نشأ مفهوم جديد يحاكى التفاعل الحيوى بين وسائلية التعليم و غايات الديموقراطية بصفتهما نهجا حياتيا ضمن إطار ما يعرف بديموقراطية التعليم ، و لعلى دون تفاصيل ممله أوضح ما يقصد بديمقراطية التعليم و الاتجاهات المختلفه و التى أعنى بوضعها على مجال الطرح ، نركز على اتجاهين فى ما يعرف بالاتجاه الوظيفى التقليدى ، و هو ما يرى أنصاره لفهم ديموقراطية التعليم من حيث حيز التوسع الأفقى و تحقيق المساواة فى فرص التعليم للمقبولين ، و هذا غالبا ما يأخذ به مطبقى سياسة مجانية التعليم ، و الاتجاه الآخر ، هو الأتجاه النقدى المعاصر ، حيث يرى انصار هذا الاتجاه إضافة طابع تحررى على التربية و التعليم و أن يتوسعوا فى مجال ديمقراطية التعليم لتتبلور فى شكل أكثر إنسانية ، حيث تعنى ديمقراطية التعليم عندهم " حق من يعيش فى بلداً ما بصرف النظر عن أصله الاجتماعى و ثروته و جنسيته أو عرقه أو معتقداته الدينيه أو أفكاره أو قناعته فى تلقى التعليم الكافى و الوافى الذى يعنى إكتمال شخصيته و إعداده للحياة فى ظل جميع مظاهرها و أشكالها , و العمل على تنشئة مجتمع ينبذ كل أشكال التمييز ، الامر الذى ينشئ شخصيات فريدة متوازنه " ، و هو ما يعرف بغياب الحواجز العنصرية والعرقية و الدينيه التى تحول دون التقدم التربوى أو الاقتصادى أو الاجتماعى . و فى ظل ديموقراطية التعليم و وفقا للمفهوم المعاصر ، لا تعنى مجرد السماح للأفراد بالألتحاق بالتعليم ، بل ضمان وجود فرص تعليمية متساوية و كذلك وجود ضمان تحقيق عدالة فرصة النجاح فيه ، هذا فضلا عن وجود تعامل ديموقراطى من قبل المدرسين مع الطلاب و تنمية روح النقد و تعدد الاراء و التسامح حيال آراء الغير و السعى وراء التفوق و إحترام قرار الأغلبية و تحمل مسئولية القرار .
مما تقم يمكن ايضا إستخلاص معنى آخر لديموقراطية التعليم حيثما تنسحب حكم الديموقراطية السياسية على نظام التعليم كله ، بحيث يتمتع النظام التعليمى بخبرات الديموقراطيه السياسية و الاجتماعية ، فتكون ديموقراطية التعليم و طبقا لهذا الوصف إحدى الفروع الاساسية للديموقراطية العامه ، و بالتالى يمكن تحديد ابعاد ديموقراطية التعليم فى نقاط تاليه :
1- رفع القيود على المعرفه و البرامج التعليمية و الحرية الاكاديمية .
2- رفع جميع العراقيل التى توضع أمام الطلاب بسبب الجنس أو اللون أو الاصل الاجتماعى أو العقيدة .
3- التعامل بشكل متساوى بين الطلاب داخل النظام التعليمى ، بقطع النظر عن جنسهم و عقيدتهم و مستواهم الاجتماعى و الاقتصادى .
4- إتاحة الفرص للعلاقات الديموقراطية بين الطلاب و المدرسين و الادارة .
و من الجدير بالملاحظه أنه لا يمكن الفصل بين واقع المجتمع و واقع النظام التعليمى و ديموقراطيتهما ، فإنعدام الديموقراطية الحقيقيه العامة على المساواة و تكافؤ الفرص و المبنية ايضا على العدالة الاجتماعية , و الايمان بالاختلاف و شرعية التعدد ، و إحترام القانون و الحق و الحرية و العدالة و الكرامة الانسانية ، و الاحتكام إلى مبادئ حقوق الأنسان ، و أنه لا يمكن بأى حال من الاحوال الحديث عن الديموقراطية فى النظام السياسى فى غيبة تربية حقيقية و تعليم بناء و هادف يتسم بالجودة و الابتكار و تكوين الكفاءات المنتجه و يحترم المواهب و يقدر الفاعلين التربويين و المتعلمين المتفانين فى البحث و الاستكشاف و التنقيب العلمى و المعرفى .
من هنا فإن التعليم و الديموقراطية مرتبطان و متلازمان فلا تعليم بلا ديموقراطية ، و لا ديموقراطية بلا تعليم ، و بالتالى لا يمكن الحديث عن تعليم حقيقى إلا فى مجتمع ديموقراطى يؤمن بحقوق الانسان وحريات الخاصة و العامة ، و لا تتحقق الديموقراطية فى المجتمع إلا إذا لقنت ثقافة التحرر و الاعتراف بالآخر .
فإن شئنا تعليم حقيقى و ديموقراطى ، فعلينا أن يتعود اطفالنا منذ نعومة أظافرهم على السلوك الديموقراطى فى أسرته ، ثم يتعايش فى مدرسة يسودها جو مفعم بالحرية و السعادة و الامل و التفاؤل ، ريثما ينتقل إلى احضان المجتمع ليطبق ما تشربه من قيم ديمواقراطية عادلة سلوكا و تمثلا و عملا . و يبقى لى أن أنوه فيما عدا ما تقدم ، و فى ضوء إرادة مجتمعيه راغبه فى احداث تطوير حقيقى فى التعليم على اسس من ديموقرطية التعليم فى ظل ديموقراطية عامة ، وقتها سوف نعرف الاجابة على سؤال طرح نفسه و هو لماذا نتخلف فى التعليم ؟؟؟؟
Alynassef@yahoo.com